الشيخ محمد متولي الشعراوي، أحد أبرز علماء الدين في القرن العشرين، ترك بصمة قوية في مجال الدعوة الإسلامية والتفسير القرآني. وُلد الشعراوي في 15 أبريل 1911م في قرية دقادوس، التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، مصر. منذ صغره، أظهر الشعراوي نبوغًا واضحًا في حفظ القرآن الكريم، إذ أتم حفظه وهو في سن الحادية عشرة، ما أثار إعجاب معلميه وأهله.
التحق الشعراوي بمعهد الزقازيق الديني، حيث بدأ دراسته الشرعية، وأظهر تفوقًا كبيرًا. بعدها، التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، حيث واصل دراسته في علوم اللغة والشريعة. كان الشعراوي طالبًا مجتهدًا، وقد تميز بقدراته البلاغية والفكرية، ما أهله ليكون من بين العلماء المرموقين في الأزهر.
في بداية مسيرته، عُين الشعراوي مدرسًا في المعاهد الدينية، ثم انتقل إلى التدريس في الجامعات المصرية. كان يولي أهمية خاصة لنشر العلم الديني بأسلوب بسيط يمكن فهمه من قبل الجميع، الأمر الذي جعله محبوبًا لدى الطلاب والمستمعين على حد سواء.
كان الشعراوي خطيبًا مفوهًا، واستطاع بأسلوبه الفريد أن يجذب قلوب الناس إليه. خطبه ودروسه كانت تجمع بين العلم الشرعي والفهم العميق للواقع المعاصر. لم يكن الشعراوي يقتصر في دعوته على المساجد فقط، بل كان يظهر أيضًا في وسائل الإعلام، مما ساعد في نشر فكره على نطاق أوسع.
من أبرز إنجازات الشعراوي في مجال الدعوة هو تفسيره للقرآن الكريم بأسلوب مبسط وبلغة يفهمها عامة الناس. بدأ هذا التفسير يُذاع على إذاعة القرآن الكريم، ثم تطور ليصبح برنامجًا تلفزيونيًا تابعًا للتلفزيون المصري. بفضل هذه التسجيلات، تمكن الشعراوي من الوصول إلى قلوب ملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.
تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم يعتبر من أعظم الأعمال التي قدمها. لم يكن تفسيره تفسيرًا تقليديًا يعتمد فقط على النقل، بل كان يجمع بين النقل والعقل، مما جعل تفسيره مميزًا وقريبًا من قلوب الناس. كان يحرص على تفسير الآيات بطريقة تلائم فهم الناس العاديين، بعيدًا عن التعقيد، مما جعل تفسيره محببًا ومنتشرًا بشكل كبير.
كان الشيخ الشعراوي محبًا للناس، وكان يتعامل معهم بتواضع وأدب جم، وهذا ما جعل الناس يحبونه ويتعلقون به. كان يعطف على الفقراء ويهتم بقضايا الأمة، وكان يحرص على نصح الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم. لم يكن يتردد في تقديم المشورة والنصيحة للناس، وكان يعمل دائمًا على الإصلاح بين الناس ونشر القيم الإسلامية السمحة.
لقد أثر الشعراوي في العديد من الناس بفضل علمه وأخلاقه، فكان يعتبر قدوة ومثلاً أعلى للكثير من المسلمين. كان حضوره طاغيًا، وصوته الرخيم ونبراته الصادقة كانت تمس القلوب وتزيد من حب الناس له.
بدايةً، كانت خطب ودروس الشعراوي تُسجل بشكل فردي من قبل بعض محبيه، ثم تطورت الفكرة لتصبح تسجيلات رسمية تُبث عبر إذاعة القرآن الكريم. مع مرور الوقت، أصبحت تسجيلات الشعراوي متاحة في كل مكان، في المنازل والسيارات والمساجد، ما ساهم في انتشار تفسيراته وخطبه على نطاق واسع.
الإذاعات والتلفزيونات المختلفة استمرت في بث تسجيلاته حتى بعد وفاته، مما زاد من تأثيره وانتشاره. وبفضل التكنولوجيا، أصبح بالإمكان اليوم الوصول إلى تسجيلات الشعراوي بسهولة عبر الإنترنت، مما ساهم في استمرار تأثيره على الأجيال الجديدة.
حصل الشيخ الشعراوي على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لجهوده في خدمة الإسلام والدعوة. أبرزها كان تكريمه من قبل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات الذي منحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى. كما حصل الشعراوي على جوائز من مؤسسات إسلامية ودولية عديدة تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في تفسير القرآن الكريم.
توفي الشيخ الشعراوي في 17 يونيو 1998م، تاركًا وراءه إرثًا علميًا ودعويًا كبيرًا. رغم مرور السنوات على وفاته، إلا أن شعبيته لم تتراجع، بل استمر تأثيره ليكون حاضرًا في وجدان المسلمين حول العالم.
لقد ترك الشيخ الشعراوي أثرًا لا يمحى في مجال الدعوة الإسلامية، وستظل تسجيلاته وخطبه مصدر إلهام وتعليم للمسلمين لسنوات طويلة قادمة. لقد كان الشيخ الشعراوي عالمًا جليلًا وداعية مخلصًا، وسيظل اسمه محفورًا في قلوب كل من عرفه أو استمع إليه.
خاتمة
إن قصة الشيخ الشعراوي هي قصة رجل كرس حياته لخدمة الدين الإسلامي ونشر تعاليمه بطريقة محببة ومبسطة، مما جعله أحد أعظم العلماء في العصر الحديث. بفضل علمه وجهوده، استطاع أن ينقل معاني القرآن الكريم إلى ملايين المسلمين، وأصبح قدوة تحتذي بها الأجيال الجديدة. إرثه العلمي سيظل حاضرًا، وستبقى تسجيلاته مصدر إلهام لكل من يسعى لفهم القرآن والتقرب إلى الله.